الجمعة 26-04-2024
الوكيل الاخباري
 

“مدرسة الروابي”: مجتمعنا يتغير



جزء من الصورة التي قدمها مسلسل “مدرسة الروابي للبنات” صحيح، قد نختلف حول بعض التفاصيل او نتحفظ على استخدام بعض العبارات، لكن وظيفة “الدراما” في العموم هي ان تكشف عن “المستور” الذي نخشى ان نواجهه، أو نخجل من الاعتراف به واشهاره، فيما يفترض على المجتمع ان يلتقط ما يصله من رسائل ويبادر الى معالجتها بما لديه من إمكانيات، بدلا من ان ينكرها أو يتعامل معها في سياق “المؤامرة” ، ويشيطن من ارسلوها.اضافة اعلان

خلال العقود الثلاثة الماضية، تعرض مجتمعنا لتحولات عميقة أفقدته بعض سماته وقيمه المألوفة، كان يمكن ان يكون ذلك طبيعياً ومتوقعاً نتيجة الهجرات القصرية او الانفتاح الاتصالي والتقني، او الانفجارات السياسية التي شهدها المحيط العربي وما يترتب عليها من صراعات على الهوية او أزمات اقتصادية…، لكن ما حدث كان اسرع مما توقعناه، وأعمق مما نخشى ان نعترف به، ثمة قيم وسلوكيات وقناعات وطبقات جديدة بدأت تتشكل، وثمة حالة من الإحساس بالقهر والخوف والرغبة في الانتقام أصبحت تتصاعد (خاصة بعد كورونا)، وبالتالي فإن سؤال: ماذا حدث للأردنيين، وماذا طرأ على “شخصيتهم” في بعديها الإنساني والوطني من تغييرات يبدو وجيهاً، وبحاجة الى دراسات واجابات ايضاً.

أعرف ان انتقاد المجتمع أصعب بكثير من انتقاد الحكومات، وأن السلطة الاجتماعية “أشرس” في الدفاع عن نفسها من السلطة السياسية، وأعرف أيضاً ان المجتمعات تعتقد بأن الستر منجاة، وأنها في الغالب تعلّق ما يلحق بها من أزمات واصابات على “النخب” والمسؤولين عن إدارة شؤونها، لكن هذا كله لا يمنع من ان نواجه الحقيقة المرّة (دعك الآن من المسؤولين عنها)، حقيقة ما فعلناه بأنفسنا، أقصد مجتمعنا، وهو أسوأ مما فعلته الحكومات بنا، خذ مثلاً ما يجري داخل الأسرة والمدرسة والجامعة وفي الشارع، وبين الزملاء في العمل ودور العبادة…الخ، ستكتشف بأن صورتنا ليست كما يحلو لنا أن نتصورها، ولا كما كانت قبل عقدين أو اكثر.

في تفاصيل ما يجري يمكن ان أشير الى جرائم القتل داخل الاسرة وخارجها، الى تصاعد اعداد “متعاطي” المخدرات من الشباب، الى امتداد ظواهر الكراهية والتنمر والفهلوة والنفاق والسلوكيات غير الأخلاقية، مع تراجع ثقافة الحرام والعيب، الى بروز أنماط سلوكية جديدة كالانتحار والرغبة في الانتقام من المجتمع، ورفص مبدأ “الوصاية” بكافة أنواعها، وكسر “عصا” الطاعة حتى للأهل، ترافق ذلك -بالطبع- مع ازدياد حدّة العوز والحاجة نتيجة الفقر، وارتفاع حالات العنوسة والطلاق، وشيوع ثقافة الاستهلاك والفردانية والانانية وانماط التدين غير الصحيح…الخ.

الخير في مجتمعنا ما يزال موجوداً، هذا صحيح، لكن دوائره أصبحت تضيق وتتعرض لمحاولات من الكسر، كما اننا لسنا مثاليين، وهذا كما قلت سلفاً مسألة طبيعية ومفهومة، لكن أرجو ألا تضيق صدورنا بأي تجربة “درامية” او أي رأي ناقد، يضع يده على جرح او عيب ما، فأن نعترف بعيوب مجتمعنا واخطائنا ونطرح ما باستطاعتنا من حلول لها أفضل ألف مرّة من أن نغطي عليها بالصمت او الهروب منها بحجة اتهام الآخرين بالإساءة الى قيمنا واخلاقنا.
أوافق من يقول ان ثمة من يريد ان يعبث “بقيم” مجتمعنا واخلاقياته، سواء من داخله او من خارجه، لكنني لن اتردد عن مطالبته بأن يشمر عن ساعديه لإصلاح كل الثقوب السوداء التي يمكن ان يدخل منها هؤلاء… وأهمها “الثقوب” التي حفرناها بأنفسنا، ثم توسعت وما نزال نغمض عيوننا حتى لا نراها.