الإثنين 29-04-2024
الوكيل الاخباري
 

مع كل الاحترام للأشقاء العرب والكويتيين وللكوتات المحلية ..



قرارات الأشقاء العرب المتعلقة بشؤونهم الداخلية، هي من حقهم، وليس لأحد من الخارج انتقادها، فهي قرارات سيادية، حتى لو نجم عنها تداعيات مؤسفة اقتصادية أو سياسية أو غيرها، فهم أشقاء نحترمهم دوما، لكن في هذه الحال يحق للعاتبين أو المتضررين من تداعياتها توضيح الحقائق، كما يحق لهم الأسف على الأخطاء والتقديرات المصاحبة لصدور مثل تلك القرارات، والمؤسف الأخطر هو المتعلق بالإعلام وطريقة تناقله لتلك الأخبار، سواء في الدول الشقيقة التي تتخذ قرارات من هذا النوع، أو إعلام المعارضة في الدول المتضررة من تلك القرارات، أو الإعلام «التجاري والسياسي المناكف» في دول ثالثة.. وقد حدث مثل هذا على خلفية اتخاذ وزير التربية والتعليم العالي الكويتي د.حمد العدواني المحترم قراراً، يقضي بوقف الابتعاث للتخصصات الطبية في الأردن ومصر، حسب ما تناقلته وسائل اعلام كويتية ومحلية ودولية.اضافة اعلان


لا يمكنني الحديث عن مصر الشقيقة في هذه المقالة، لكنني بكل تأكيد معني بالحديث عن التعليم في الجامعات الرسمية الأردنية، لا سيما في الحقل الصحي (طب بشري، طب أسنان، صيدلة وهندساتها)، وحديثي مبني على معلومات وأحداث ومواقف وأرقام سابقة عرفتها بحكم مهنتي، ويوجد في أرشيفي هنا في «الدستور» وفي غيره من وسائل الإعلام الكثير من المقالات واللقاءات الإذاعية، حول التعليم في الأردن، وهمومه ومشاكله وتحدياته، والأمر الذي يمكنني تأكيده متعلق بدراسة الطب البشري وطب الأسنان في جامعاتنا الرسمية، فجودة المنتج الأكاديمي والمهني في هذا الحقل، كما الشمس، لا يمكن تغطيتها بغربال، بل إن أغلب ملاحظاتنا كانت على التشدد والثبات وعدم التنازل عن معايير التدريس والتقييم في كلية الطب وطب الأسنان والصيدلة ودكتور الصيدلة في الجامعة الأردنية على وجه التحديد، حيث يوجد تشدد يرتكز إلى ما يمكن تسميته أعرافا أردنية تحمي جودة المنتج في هذه الجامعة، حيث امتاز خريج «الأردنية» من هذه الكليات بالمستوى الأكاديمي والمهني المتقدم، ولن أدخل في مقارنات تحرج أو تستفز جامعات عربية أو غيرها في المنطقة وخارجها.. ومع كثرة الملاحظات حول تراجع التعليم وتسليعه في العالم كله، واتجاهه نحو عالم التكنولوجيا الرقمية في التعلم عن بعد، إلا أن الجامعات الأردنية الرسمية، لا يمكنها التخلي عن هذه المعايير التي أصبحت أعرافا أكاديمية ومهنية، وأسلوبا لتحقيق العدالة في ظل المنافسة الشرسة بين الطلبة، تنسجم وتتوافق فأصبحت موروثا أردنيا يليق ببيت الخبرة الأردنية في هذا المجال..

أما عن سبب التشدد الذي تلتزم به جامعاتنا، فهو منطقي موضوعي، له كل العلاقة بالعدالة والأمانة العلمية، وحتى نفهم ما يجري في الجامعة الأردنية مثلا، علينا أن نذكّر أولا بنظام تقييم تحصيلات الطلبة الأكاديمية في الجامعة الأردنية، فهو تقييم يعتمد على المنحنى الطبيعي لتوزيع علامات الطلبة، أي على نظام الرموز (.etc.A..B .. C.. ) وليس على النظام المئوي، فالتنافس شديد بين الطلبة في هذه التخصصات، والمسألة الثانية التي تجعل المنافسة على أشدها في الجامعة الأردنية، هي أيضا منطقية، فالجامعة الأردنية التتي نسميها «أم الجامعات الأردنية»، نظرا لقدمها وتميز أساتذتها وبرامجها التدريسية وموثوقيتها محليا وعربيا ودوليا، وموقعها في العاصمة عمان، فهي الخيار الأول الذي يرتقي لدرجة الحلم للطلبة الأردنيين من كل المناطق، ونظرا لأن الحصول على مقعد في كلياتها الطبية والصحية وغيرها ليس بالأمر السهل، فهو يحتاج تحصيلا أكاديميا مدرسيا عاليا جدا، ومقاعد الطب وطب الأسنان وغيرها، محدودة، نظرا لمعايير الاعتماد الوطنية والدولية، فليس سهلا أن يحوز الطالب مقعدا جامعيا في هذه الكليات سواء في الجامعة الأردنية أو غيرها من الجامعات الرسمية، لأن التنافس محصور بين أكثر الطلبة تفوقا وتحصيلا في الثانوية العامة بالفرع العلمي في الأردن، وهم من يحوزون على هذه المقاعد الجامعية المحدودة، وبنفس الطريقة تتم المفاضلة والتنافس بين الطلبة غير الأردنيين في البرامج الدولية، إن كانوا من غير المبتعثين عن طريق دول، فالأمر المنطقي أن يكون طلبة الكوتات والابتعاث هم الحلقة الأضعف في المنافسة الأكاديمية في هذه الكليات لا سيما في «أم الجامعات الأردنية»، وطلبة الكوتات الأردنيين مثلا، يعرفون هذه الحقيقة، وتعرفها الجهات المسؤولة عن الإنفاق الدراسي عليهم، وإنني شخصيا حضرت العديد من اللقاءات والاجتماعات عن تدخل الجهات الموفدة، من أجل منح طلبتهم فرصا ما بسبب تدني مستوى تحصيلهم مقارنة بزملائهم الآخرين، ولا يعني هذا بأن مستواهم متدنٍ أصلا، لكنه كذلك مقارنة بزملائهم الذين ينافسونهم في السنوات الجامعية نفسها بكلية الطب وطب الأسنان والصيدلة والهندسات وغيرها من التخصصات، وحين تقدم الجهات الأردنية تنازلات، فهي تكون تنازلات مالية وليست أكاديمية، بسبب شكوى الجهات المانحة من الخسارة المالية، أمام حقيقة تدني مستوى تحصيل طلبتهم مقارنة بزملائهم وفق هذا الأسلوب من التقييم، مما يترتب عليه إعادتهم للعام الدراسي، أو الفصل الأكاديمي من التخصص..

مقولة تراجع أو انحدار أو انهيار أو حتى تواضع جودة التعليم في القطاع الصحي في جامعات الأردن الرسمية، مقولة ظالمة، وتجافي وتتنافى مع كل الحقائق والإحصائيات والأداء بالنسبة لخريجي هذه الكليات، ولا أسباب موضوعية أو أقرب للفهم والمنطق، تكمن خلف اتخاذ هذه القرارات سوى المناكفات الداخلية والخارجية والتظلمات، والتنافس التجاري لاستقطاب طلبة في مؤسسات تعليمية استثمارية جديدة أو قائمة، وهو ما نعرفه بصراع الأجندات، التي نعتبرها حالة صحية حين نلتزم جميعا بالمعايير، علما أن الجامعات الأردنية وفوق التزامها بالمعايير، أصبحت تلتزم بالأعراف، التي أصبحت بدورها تراثا أردنيا طيبا ورصيدا، نكتفي به ونعتز ونفتخر، فليس سهلا أن تبني بيتا للخبرة في مجال الطب والحكمة والعدالة والأمانة العلمية.