الخميس 18-04-2024
الوكيل الاخباري
 

مناكفات أم تصفية حسابات؟



أرجو أن لا ندقق كثيرا في الصراعات التي تطفو على سطح حياتنا السياسية بين النخب التي تخاطبنا باسم الليبرالية والتحديث والأخرى التي تدغدغ مشاعرنا باسم المحافظة( المحافظة على ماذا..؟) ، فالتياران اللذان تعاقبا على الإدارة في بلدنا هما نسخة واحدة للنهج السياسي الذي جربناه، وإذا كان ثمة اختلاف بين الطرفين فهو اختلاف بالدرجة لا بالنوع، الأمر الذي يجعل الانحياز لطرف منهما ضد طرف آخر مجرد نكتة باردة.اضافة اعلان


قبل أن استطرد في الحديث عن هذه الاصطفافات استأذن بتسجيل ملاحظة، وهي انه لا يوجد في بلدنا رموز شعبية ملهمة تحظى بإعجاب الجمهور وتنتزع منه ثقته، (لدينا رموز وظيفية فقط)، كما انه لا يوجد نخب سياسية بالمفهوم المتداول للسياسة كمهنة، وانما نخب شعبوية أفرزتها ظروف معينة، هؤلاء -كلهم- ارتبطوا -بشكل أو بآخر- بالحكومات المتعاقبة، وحتى حين ناكفوا عليها فانهم ظلوا يتطلعون بعيون الرغبة للعودة اليها، ما يعني اننا أمام صراعات نخبوية تقوم أساسا على الوظيفة، أو البعد الشخصي الآني والمصلحي، ولا تخرج -إلا في حالات محدودة جدا- عن سكة المألوف أو الحد المقبول لضمان الاستمرار في الموقع..أو في دائرة الرضا التي لا يسمح -في العادة- لمن يغردون خارج السرب، بالعودة اليها مجدداً.

الناس في بلادنا- بعد أن انكشف المستور – أصبحوا لا يكترثون بالمناكفات السياسية التي يبتدعها البعض للتذكير بأنفسهم، أو لتحقيق مصالحهم، أو -حتى- للتشويش على خصومهم، كما أن الصالونات السياسية التي ازدهرت في سنوات مضت لم تعد -أيضاً- تثير شهية الأردنيين لنقل ما يصدر عنها من إشاعات، أو ترويج ما تتداوله من أخبار ومكائد واصطفافات.

وراء عزوف المواطن عن ذلك جملة من الأسباب، أهمها: الخيبة التي انتهى اليها من السياسة عموما، ومن النخب التي انشغلت بها لتحقيق مصالحها على حسابه، والتجربة المرة التي عمقت في الوعي الشعبي ان صراعات الرؤوس الكبيرة ليست أكثر من مناورات عابرة، أو تصفية حسابات لثأرات سياسية قديمة، أو محاولة لإعادة تاريخ مضى، وتزيين صور لم يعد ممكنا تجميلها، أو تغطية شحوبها، بعد أن ادركها الهرم وفعلت بها رياح السياسة أفعالها.

التحولات التي طرأت على المجتمع الأردني في السنوات الماضية انهت بالفعل صلاحية بعض النخب، وأفرزت طبقة جديدة من الموظفين الكبار الذين نجحوا في اختراق أسيجة العمل العام، أو البرلمان، سواء من مهادات البيزنس أو الأطراف البعيدة عن العاصمة، أو حتى من العصاميين الفقراء، لكن هؤلاء لم يتمكنوا بعد -في ظل اصرار النخب التقليدية على الإمساك بمفاتيح التوجيه- من تقديم أنفسهم أو تأكيد حضورهم الشخصي والفكري، لدرجة أن بعضهم استسهل الوصول من خلال الذوبان في الاصطفافات القائمة، أو وجد في التحالف مع مراكز القوى بديلا لخوض منازلات سياسية مكلفة، أو غير مضمونة النتائج.

إذا اضفنا لذلك أن الجدب السياسي، أغرى كثيراً من النخب الجديدة على الدخول مبكرا في اللعبة السياسية، دون أن يمتلكوا الأدوات المناسبة لممارستها، كما أغرى النخب التقليدية على اقتحام المشهد والاستئثار به، بما امتلكوه من تجربة، أو مال أو نفوذ، ومن باب توظيف الذكاء أو الشطارة أو اللسان.

النتيجة هي انكشاف هذا الجدب أو الفقر السياسي العام عن خيبة لدى الناس فيما يتابعونه من حراك بدا لهم وهما بامتياز، وعليه فان عدوى التصحر انتقلت سريعاً من النخب إلى جماهيرها، دون أن تسلم منها المؤسسات والمواقع التي لم تفلح كل المحاولات بتجميل تراجعاتها، أو قحطها السياسي، وضعف ادائها العام.

قلت فيما مضى: ان ما يجري على ضفاف حياتنا السياسية من جدل وصراع نخبوي، أو مناوشات بين من يتصدرون المواقع ، ومن خرجوا منها وجلسوا يتفرجون عليها، أو ينتظرون عودتهم اليها، ليس أكثر من مباريات ودية، لا قيمة فيها للأهداف ولا حتى للجماهير التي تصفق على المدرجات، هدفها -فقط- تتويج بعض اللاعبين الكبار، أو ازاحة بعضهم وإعادة الاعتبار لآخرين، لادراجهم في بورصة الاحتراف التي تطلبها الأندية الكبرى.. كما يعرف اخواننا الرياضيون.