الخميس 02-05-2024
الوكيل الاخباري
 

هل العمال بخير؟



تحلّ اليوم الأول من أيار (مايو) مناسبة يوم العمّال العالمي الذي يحتفل به أغلب دول العالم، وفي المناسبة يستذكر أولئك المحتفلون في كل دول العالم نضالات الطبقة العاملة، ويبدون تعاطفا معهم، ويتحدثون عن تدني أجورهم، وحقوق ما زالت منقوصة يتوجب إقرارها، ومن منبر الاحتفال يسمع العمال خطبا عصماء في المناسبة.اضافة اعلان


ينتهي الاحتفال ويذهب كلٌ إلى حيّه، العامل للبحث عن لقمة عيشه، ويذهب أولئك الذين تسيّدوا منبر الخطابة إلى مكاتبهم، وهناك يمارس بعضهم قيودا أشد على العمال، وبعضهم الآخر يتفنن في الاعتداء على حقوقهم، ويتنمر عليهم، ويستفز مشاعرهم.

لست هنا بصدد محاكمة العالم أجمع على سياسة الكيل بمكيالين التي يتبعها، أو لكتابة كلام إنشائي في المناسبة، ولكني أميل لتذكير العالم والدول وحكومتنا أن الحروب أينما نشبت في هذا العالم يدفع فاتورتها العمال، والأمراض (كورونا مثالا) يدفع فاتورتها الأكبر العمال، والوضع الاقتصادي وتدني المداخيل يدفع فاتورته العمال، والفساد يدفعه العمال، وارتفاع الأسعار يعود بالأذى على العمال في نهاية مطافه، وأن كل جائحة أو وباء أو كارثة سواء كانت بشرية أو طبيعية ستعود بالأذى في المقام الرئيس على العمال باعتبارهم الطرف الأضعف في أي معادلة، وسيبقى أولئك طرفا ضعيفا طالما بقيت الآذان صماء ترفض الاعتراف بحق العمال في رواتب تضمن عيشا كريما لهم، وتضمن تأمين رعاية صحية محترمة لعوائلهم، ومكان عمل لائق ومناسب يعملون به.

هل يصدق أحد أن 260 دينارا مثلا، وهي الحد الأدنى للأجور لدينا، يمكن أن تؤمن عيشا كريما لعامل، وعلى العامل من ذاك الراتب دفع فاتورة ماء وكهرباء واتصال، واستخدام مواصلات، وتأمين رعاية صحية لأطفاله، وتعليم مناسب لهم، وهل علينا أن نبقى نذكر أن حجم ارتفاع الأسعار جنوني لدرجة لا تحتمل.

ترى لو فكرت الحكومة قليلا، كيف لعامل يحصل على 260 دينارا التكيف في ظل كل ذاك؟، وكيف له أن يتعامل مع متطلبات الحياة؟، وكيف سنقنعه عندما يعرف بوجود عمال آخرين يتقاضون رواتب تقاعدية من مؤسسة الضمان الاجتماعي التي تأسست خصيصا لشريحة العمال الأشد فقرا، أن ميزان العدالة قائم على الجميع، وأن مؤسسة الضمان التي وجدت لتأمين حياة كريمة له بعد التقاعد لن تصاب بالأذى يوما ما في ظل فجوة الرواتب التقاعدية.

نحتفل بيوم العمال ونتمنى الخير دوما لعمالنا، ولكننا في الوقت عينه بات واجبا علينا دعم نقاباته القائمة حتى لو امتلك بعضنا مئات الملاحظات عليها وتمكينها من القيام بواجباتها ورعاية اتفاقيات تعقدها تتضمن بعضها مزايا جديدة لطبقة عاملة تعاني ارتفاع أسعار وتضخما وغلاء لا محدود لا يتوقف.

من يعتقد أن طبقتنا العاملة بخير، واهم، ومن يرى أن العمال يحصلون على حقوقهم كاملة لا يريد أبدا رؤية الحقائق بواقعية، ولهذا بات علينا ونحن في ظلال الحدث التذكير أن ربط الحد الأدنى للأجر بالتضخم وارتفاع الأسعار والفقر أمر لا بد منه، فالراتب الذي يقل عن 500 دينار لن يستطيع صاحبه أبدا التكيف مع متطلبات الحياة البسيطة.

لسنا بصدد ابتكار كلمات إنشائية تتحدث عن دور العمال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فمثل تلك الكلمات استهلكت تماما في أوقات سابقة، وعلينا أن نقف أمام الحقائق بواقعية ومعالجة ما يمكن معالجته منها، والبحث عن آليات لتعديل قوانين العمل والضمان الاجتماعي والأنظمة الأخرى لتصبّ في صالح العمال، وعدم التباكي على أصحاب العمل وعدم قدرتهم على تحمل رفع الحد الأدنى للأجور، إذ لا يجوز أبدا أن تبقى تلك الحجة قائمة بهدف عدم الرفع، فعمّالنا أيها السادة، ليسوا بخير، ومن يرى خلاف ذلك عليه مراجعة طبيب عيون بالسرعة اللازمة حتى يتمكن من رؤية الأمور بشكلها الطبيعي.