الجمعة 19-04-2024
الوكيل الاخباري
 

وداعًا يا غولساري



 البرسترويكا والجلاسنوست: كلمتان دخلتا بقوة على العربية في النصف الثاني من ثمانينات القرن المنصرم، وقد أطلقهما الرفيق الرئيس السوفييتي آنذاك غورباتشوف، وكان يعني بهما المكاشفة والشفافية، في محاولة لعلاج الأسباب التي أدت إلى الكثير من الانهيارات داخل الإمبراطورية السوفياتية الكبرى.اضافة اعلان


ليس من نيتي الدخول في الجدل البيزنطي فيما إذا كان الرفيق غورباتشوف (أبو طبعة جنان) خائنا ام بطلا شجاعا أم بينهما، لكني أنوي اكتشاف أسباب – أو سبب-فشل الجلاسنوست والبروسترويكا في انقاذ الإتحاد السوفييتي. السبب بسيط، لأن زلمتناـ اعتمد الروشيتة الخاطئة في علاج أسباب انهيار بلاده واعتقد بأن المكاشفة والشفافية هما العلاج الشافي والوافي للأمراض المتراكمة داخل العملاق الإشتراكي المنهك.
أما انا فأعتقد بأن الإتحاد السوفييتي سقط لأنه كان يخلو من الساخرين المعارضين الناقدين منذ تشكيله، رغم أن لينين كان ساخرا كبيرا وناقدا وهجّاءً فجّا لمن يخالفه الرأي، إلا أن الرأي الآخر كان مقموعا من البداية، فكيف بالساخر !!.
طبعا هناك الكثيرمن الساخرين الذين سلطوا سياطهم على الكولاك والرجعية والمانشفية وجميع أعداء الحزب الحاكم في الداخل والخارج، لكن هؤلاء انضموا إلى الجوقة الحاكمة في تبرير الأخطاء والدفاع عنها أمام الشامتين والساخرين. ولم يعدم الأمر من ساخرين حاولوا ممارسة النقد البناء فكان أن قتلوا او سجنوا في سيبيريا او هربوا على شكل منشقين وخونة.

لم يحتمل الرفاق من يسخر من انجازاتهم الدونكيشوتية في كافة المجالات، وخصوصا المجال الاقتصادي، حيث كان التقارير تصدر من الكولوخوزات والسوفخوزات بان كل الأمور عال العال وتمام التمام، لا بل أن بعض الخطط الاقتصادية كانت تنفذ بنسبة 120%.... كل هذا كان على الورق، بينما السوق يخلو من كل شيء، والشعب يصف بالطوابير على كل شيء.

الماركسية بعد أن تحولت إلى حزب حاكم، والى سلطة، حملت جميع مساوئ السلطات السابقة، لا بل أكثر منها، لأنها كانت تمارس الأخطاء تحت مظلة الشرعية الثورية، التي تبيح سجن وقتل وتصفية كل من يعترض على اجراءاتها المطلقة ... هكذا حولوا الماركسية الى دين بنصوص مطلقة.

استمر هذا القمع للساخرين حتى النهاية، مع أن بعض الساخرين مثل الروائي الكبير جنكيز ايتماتوف ، الذي حاول التحذير من هذه البيروقراطية القاتلة في روايته (وداعا يا غولساري) التي حولت الحصان إلى بغل هرم ، وأطلق تحذيره الأخير في روايته «السفينة البيضاء» حيث يموت الطفل في الرواية ، ولما سألوه عن السبب قال ..اذا بقينا هكذا ..سيموت الطفل ..وفعلا بقي الحاكمون هكذا حتى انهار الإتحادي السوفييتي العظيم .
الساخرون والناقدون عموما حتى لو تواجدوا بحسابات وهمية، هم مانعة الصواعق وصمام الأمان في المجتمع، وهم الذين يشخّصون العيوب ويحذرون منها قبل فوات الأوان. ومجتمع بلا ناقدين هو مجتمع آيل للسقوط الكبير.