الجمعة 19-04-2024
الوكيل الاخباري
 

وسط حالة التشفي



هذا الكلام ليس إعجابا بالاحتلال، ولا افتتانا به، لكنها الحقيقة، التي يجب أن يتنبه لها كثيرون وسط حالة التشفي التي نراها باتت سائدة، بسبب ما يجري في إسرائيل، وهي التي تقتل وتحرق منذ أكثر من سبعين سنة، وتنكل بالشعب الفلسطيني، ودول الجوار، ولا أخلاق إنسانية لديها، وتدعي أنها نموذج مختلف وسط رمال الشرق الأوسط القاحلة والموحشة على حد سواء.اضافة اعلان


المشهد في إسرائيل يتوجب تحليله بشكل عميق، إذ أن رئيس دولة الاحتلال يحذر مما تشهده إسرائيل من صراع سياسي، والرموز الأمنية والعسكرية العاملة والمتقاعدة، تحذر مما يجري بسبب اصرار نتنياهو وفريقه على إجراء تعديلات قضائية، تخفف من صلاحيات المحكمة العليا في إسرائيل، لصالح قوة إضافية للحكومة، بما اعتبرته قوى عديدة محاولة للتغول على القضاء، وزيادة مساحات أي حكومة موجودة داخل كينونة الاحتلال، تحت ذريعة التوازن بين السلطات.

كما هو معروف فإن المحكمة العليا في إسرائيل تضم 15 قاضيا، وتعديلات الحكومة الإسرائيلية المقدمة للكنيست، تريد خفض صلاحيات المحكمة التي تراقب الحكومة والكنيست، وخفض صلاحيات المحكمة التي لديها القدرة على اسقاط أي قانون، والغاء أي قرار حكومي، إذا استدعت الحاجة لذلك، وزيادة صلاحيات السياسيين، مقارنة بالقضاة، وكما هو معروف ايضا، فإن نتنياهو له حساباته الشخصية المتعلقة بمحاكمته، ويريد اعادة انتاج السلك القضائي، بدعم من الائتلاف الحاكم معه، ولغايات مختلفة تمتد الى تلبية طلبات التيارات المتطرفة المختلفة.

على الطريقة العربية يخرج نجل نتنياهو ويقول إن هناك مؤامرة، وان الولايات المتحدة لها يد في احتجاجات مئات الآلاف كل ليلة في إسرائيل، بهدف اسقاط حكومة نتنياهو، وفي الوقت ذاته يحتشد خصوم نتنياهو من كل التيارات السياسية، بهدف إضعافه أكثر، بعد أن شهدت إسرائيل أزمات كبرى على مستوى المواجهة بين السياسيين، وقوى الأمن التي كانت تفرق المظاهرات.

وراء كل هذا المشهد، إشارات أعمق، فهي تقول إن كينونة الاحتلال هشة داخليا على صعيد بنيتها الاجتماعية، خصوصا، مع وجود طبقات مصنفة اجتماعيا، وسياسيا، كما أن توحد هذه الطبقات يكون فقط في حالات سفك دم الفلسطينيين كعدو مصنف لدى الاحتلال، يجعل مجتمع الاحتلال موحدا في حالات معينة، لكنه قائم في الأساس على الانقسام، وعدم القدرة على الاستمرار طويلا، كما أن المشهد يؤشر على نقطة محددة، أي أن أي حكومة إسرائيلية ليست متفردة بالقرار، ولا يستطيع أي سياسي إسرائيلي العبث بالسلطات، أو الاستفراد بالقرار على الطريقة العربية، وليس أدل على ذلك من تحشيد مجتمع الاحتلال لكل قواه ضد الحكومة الإسرائيلية، وبشكل منظم، امتد إلى المظاهرات والاضرابات، بما يجعل النموذج أيضا، حساسا، من حيث خلاصاته، وحساسيته لا تتراجع أمام ما يعتبره الاحتلال خطر إيران، ولا خطر الفلسطينيين أيضا، حيث لا يتم الاستثمار في مخاوف مجتمع الاحتلال بوجود أخطار قائمة، من أجل تمرير قضايا لا يريدها الإسرائيليون في حياتهم.

من المؤكد أن نتنياهو وفريقه يأخذون إسرائيل إلى زوايا مختلفة، سواء عبر ما يقوم به وزراء مثل وزير الأمن القومي، أو المالية، أو غيرهما، أو عبر تهشيم شبكة الحماية الداخلية للاحتلال بسبب الصراع السياسي، الذي رأيناه بهذه الحدة لأول مرة، منذ تأسيس الاحتلال، وكأن بنية الاحتلال الهشة قابلة للسقوط داخليا، أكثر من كونها قابلة للسقوط بفعل عوامل خارجية.

المأزق الذي يعيشه نتنياهو وفريقه، لم ينته عند حد الإعلان عن تأجيل التعديلات القضائية، لان الازمة هنا قائمة، لكنها مؤجلة فقط لتنفجر في وقت لاحق، والمفارقة أن الحكومة الإسرائيلية إذا تراجعت كليا عن هذه التعديلات، من أجل امتصاص غضب الشارع، فسوف تدفع الثمن من استقرارها، وستكون مؤهلة للسقوط الكلي، بسبب احتجاج وزراء في الحكومة ذاتها، على التراجع الكلي إذا تم، وهكذا يجد نتنياهو نفسه وسط عوامل متناقضة تجعل مهمته مهددة كل يوم.

حالة التشفي بإسرائيل تقول للإسرائيليين انهم وسط محيط معاد، بكل ما تعنيه الكلمة، وهو محيط لايقبلها أبدا وينتظر ذلك اليوم، الذي يصحو ولا يجد أثرا لإسرائيل في هذه المنطقة.