الوكيل - صدر مؤخرا بمدريد، بعد نقله الى لغة سيرفانتيس لاوّل مرّة كتاب طريف للكاتب الايرلاندي برنارد شو تحت عنوان ‘دليل الاشتراكية والراسمالية للنّساء الذكيّات’!.
برنارد شو كان اشتراكيا مقتنعا حتى النخاع، ولكن على الطريقة الانجليزية، فقد كان عضوا نشيطا في االجمعية الفابيانية التي تاسّست عام 1884 والتي تعتبرالنواة او النبتة الاولى التي اينعت فيما بعد وتفتق عنها ‘الحزب العمّالي البريطاني’ وقد وضع شّو بعد اربعين سنة من النضال في هذه الجمعية هذا الكتاب الذي كان يقع في 752 صفحة.
من اشهر الطرائف والمستملحات التي تروى عن الكاتب الايرلاندي السّاخر جورج برنارد شو بخصوص الاشتراكية والراسمالية، انّ احد الصّحافيين ساله ذات مرّة على حين غرّة في عزّ الصّراع والتباري بين المذهبين فقال له:
مستر برنارد، هل لك ان تعرّف لنا ما هي الراسمالية في نظرك ..؟ (كان شو نحيفا اصلع الراس وذا لحية كثّة طويلة تنزل على ذقنه) فاحتار شو قليلا ثمّ اجاب قائلا :
الراسمالية … (بعد ان مرّر يديه على لحيته): انها غزارة في الانتاج، (ثمّ على صلعته الملساء،) وسوء في التوزيع… ! !
برنارد شّو وصفه ذات مرّة صديقه ‘شيستيرتون’ بانه زنديق، ايّ انّه صاحب فلسفة صلبة، متسقة للغاية، ولكنّها لا تقوم على ايّ اساس′..!، هذه الفلسفة التي ليس لها ايّ اساس لم يكن يعني بها صاحب ‘الاب براون’ سوى الاشتراكية.
لماذا هذا الكتاب..؟
تشير ‘مارغريت والترز′ في تقديمها لهذا الكتاب القديم – الجديد: ‘لم يكن برنارد شو يؤمن بالثورات، بل كان يميل الى حدوث تحوّل او تطوّر اشتراكي سلمي تدريجي في المجتمع′.
وتضيف ‘والترز′: ‘كان شو ينادي بتوحّد الرواتب للموظفين والعمّال، ولهذا كان يطالب بضرورة عدم التسامح مع الفقر والعوز، الا انّه نسي او تناسى انّ اعماله المسرحية كانت في ذلك الابّان قد بدات تذرّ عليه ارباحا طائلة، وتجعل منه رجلا ثريّا، الشيء الذي يجعله يتناقض مع ما كان يطالب به في كتابه’.
كان شو يعتبر مسالة’ تحسين النسل’ (البقاء للاصلح) و(الانسان الاسمى) لفردريك نيتشه، وتاثيرات ( شارل داروين، فرانسيس غالتون، الخ) احدى الموضات العمياء التي طفقت تنتشرفي ذلك الوقت انتشار النار في الهشيم كان يقول عن الاشتراكية: ‘انهّا تتحرّر من عبثية الحزب المعارض الذي من سلبياته ان يكون هناك برلمان، يحاول نصف اعضائه الحكم ويحاول النصف الباقي منع ذلك’.
ولكن لماذا وضع برنارد شو هذا الكتاب وبشكل خاص ‘للنّساء الذكيّات’..!! مردّ ذلك ان احدى قريباته وهي ‘ليدي شولموندلي’ كانت قد سالته ذات مرّة عن ارائه حول الاشتراكية، وذلك بهدف الاستئناس بها في لقائها المقبل في صالون الشاي الذي كانت تنظمه بشكل دوري مع ثلة من سيّدات المجتمع ومثقفاته في ذلك الابّان. وشو مثل صديقه الانف الذكر ‘شيستيرتون’ كانا على استعداد دائما لوضع ايّ كتاب لاتفه الاسباب، الا انّ برنارد شو يقول في اخر كتابه: ‘انه كتاب طويل للغاية لدرجة انه يشكّ كثيرا ان تكون هناك امراة بعد قراءتها لهذا الكتاب ترغب في ان تقرا شيئا اخرعن الاشتراكية والشيوعية لمدة طويلة’!.
برنارد شو معاصرنا
وكان برنارد شو قد كتب هذا الكتاب عام 1928 ايّ بعام واحد قبل اندلاع الازمة الاقتصادية الكبرى العالمية التي ضربت الغرب، وكان يبلغ الثانية والسبعين من عمره، ووراء ظهره عقود من الانشطة السياسية المكثفة. وتؤكد مارغريت والترز في مقدمتها: ‘انّ صدورهذا الكتاب في اسبانيا في هذه التواريخ بالذات ليس من باب الصدفة كذلك نظرا للازمة الاقتصادية الحادة التي تعصفّ بالبلاد اليوم ايضا’. وتضيف: ‘بين يدي القارئ واحد من البيانات الرسمية الدقيقة للاشتراكيين الاكثر كلاسيكية في القرن العشرين’، لقد قدّم شو في هذا الكتاب تفسيرا واضحا للاشتراكية والراسمالية. كما عالج فيه مواضيع ما زالت قائمة وحاضرة في الوقت الراهن في الاجندة السياسية مثل الشيوعية، والفاشية، والراسمالية، والبدائل المحتملة لهذه الايديولوجيات، وكان شو يستخدم جراة وهمية لفضح هذه المذاهب السياسية المختلفة، مستعملا نهجا تعليميا بعيدا عن السّطحية والابتذال.
كان شو من الاعضاء البارزين للحركة الفابيانية في لندن التي كانت تسعى لنشر وتطبيق مبادئ االاشتراكية الديمقراطية بالقيام باصلاحات تدريجية (تستقي هذه الحركة اسمها من ‘كينتو فابيو ماكسيمو’ وهو زعيم روماني كان قد صدّ هجوم حنبعل على روما القديمة).
كان زعماء هذه الحركة السياسية يحاربون الفوارق الاجتماعية التي كانت مستشرية في ذلك الوقت بشكل كبير، وكان برنارد شو يرى ‘انّ الملكية الخاصّة لا تعتبر سرقة او نهبا فحسب، بل انها سرقة ونهب عنيفان’. كما كان شو الى جانب زملائه من الزعماء البارزين في هذه الحركة مثل ‘ويلز′ و’جاك لندن’ يعتبرون ‘عدم المساواة، والتفاوت الطبقي، والفوارق الاجتماعية سمّا ناقعا ينخر في مختلف قطاعات وشرائح المجتمع ويؤثر بشكل سلبي على الروابط الاسرية، والانحراف وعلى المحبّة، والعلاقات بين الرجال والنساء.’ وكانوا يرون انّ البرلمان، والتربية، والتعليم وجميع المؤسسات الاخرى واقعة تحت فساد وتلف بالغين بسبب المصالح الاقتصادية وكانت كلّ المحاولات الاصلاحية تبوء بالفشل حيال التفاوت الكبير الذي كا يعرفه النظام الاقتصادي السائد انذاك’.
سخريّة مرّة وتهكّم لاذع
هذا الكتاب الطريف الذي لا يخلو من سخرية مرّة وتهكّم لاذع للمجتمع، وللسياسيين ولعامّة الناس.
يشير برنارد شو فيه مخاطبا ذكاء المراة وبداهتها: ‘انك اذا متّ من الجوع، فانك
في هذه الحالة تكونين قد جرّبت كل الجوع الذي كان وسيكون، او الذي لن يكون ابدا، واذا ماتت عشرة الاف امراة من الجوع معك، فالمعاناة لن تزيد ولن تتضاعف ابدا، ومشاركتك في هذا المصير لا يعني انك عانيت عشرة الاف مرّة تجربة الجوع، كما انّ ذلك لا يزيد عشرة الاف مرة في معاناتك من الجوع، وعليه فلا تجعلي نفسك تشعر بالظلم والتظلّم من المعاناة الانسانية من هذه الافة المروّعة، امراتان هزيلتان ليس معناه انهما هزيلتان مرّتين، كما انّ امراتين سمينتين هما ليستا سمينتين مرّتين او بشكل مضاعف، فالفقر والالم ليسا متراكمين، اذا كان في امكانك تحمّل معاناة شخص واحد،فيمكنك ان تحصّني نفسك او تضعي في اعتبارك انّ معاناة مليون شخص ليس اكثرسوءا ولا اكثر فداحة، ليس لك سوى معدة واحدة لملئها، كما انه ليس لديك سوى جسم واحد لوضعه على رفّ التعذيب، لا تسمحي للتضامن المبالغ فيه انّه يشلّ روحك، فالثورات الاشتراكية الحقيقية هي في العمق ضد المعاناة، ولكن الضياع هوالمعاناة بعينه. الف امراة سعيدة او شريفة او معافاة لسن الف مرّة اكثر سعادة وشرفا وعافية. لدينا معايير متدنية جدّا في هذا القبيل، فنحن عندما نعتبر انفسنا اننا معافون، فانّ ذلك يعني اننا نريد ان نقول فقط اننا لسنا مرضى. علينا ان نعترف انّ المجتمع الراسمالي بشكل عام هو مجتمع بغيض. فكراهية الطبقات ليست مشكلة حقد من طرف الفقراء نحو الاغنياء، كما انها ليست احتقارا او تخوّفا من لدن الاثرياء، الاغنياء والفقراء على حدّ سواء هم ممقوتون في حدّ ذاتهم، انني اتمنى لهم الابادة معا، انا لا اريد ان يكون تعليم ايّ طفل كما علموني انا، كما انني لا اريد لجميع الاطفال الذين اعرفهم نفس المصير، اليس كذلك..؟’.
المكسيك، برنارد شو، والشيوعيّة
في مطلع عام 1936 قام برنارد شو بزيارة للمكسيك صحبة زوجته، حيث وصل الى مدينة ‘ماساطلان’ التي تعتبر من اجمل الثغورالسياحية المكسيكية اليوم الى جانب مدينتي اكابولكو، وكانكون، وقد ضحك برنارد شو على الصحافيين حيث تركهم ينتظرونه في محطة القطار بمدينة ‘وادي الحجارة’ المكسيكية، وكان شو قبل ذلك قد سال الصحافيين المكسيكيين قائلا لهم’: الا تريدونني رئيسا لبلدكم المكسيك..؟ ودون ان يمنحهم فرصة للاجابة اردف قائلا: ‘انا لا اعرف شيئا عن مشاكلكم، كما انها في الواقع لا تهمّني!.
وخلال وجود شو في مدينة اكابولكو ساله احد الصحافيين في قاعة الفندق: ان لماذا لم يتزوّج بعد؟
فقال شو على الفور: يا له من سؤال فظيع انه سباب، الا انه غير موجّه لي بقدر ما هو موجّه لزوجتي الواقفة بجانبي، فهي لا يروقها، ولا انا، ان اعود لأتزوّج من جديد !.
وعندما سال الصحافي والكاتب والروائي ‘رفائيل كاردونا’ من كوستا ريكا برنارد شو اذا ما كان يسمح له بان يجري معه استجوابا، قال له شو: انا صحافي كذلك مثلك، لا تقل ابدا ساقوم باجراء استجواب معك، بل اجره راسا. وساله صحافي اخر عن رايه في احتلال هتلر لوادي الرّاين، حيث اعتبر ذلك بداية الحرب فقال شو: الاهمّ من ذلك ليس الاحتلال بل هو انّ هتلر هو اوّل من دخل هذه المنطقة. وقد عرف هتلر ان الانجليز لن يدخلوا في حرب من اجل معاهدة فرساي.
وقال شو اننا سنعمل على نزع السلاح الا انه لنقوم بذلك ينبغي لنا في البداية ان نتسلّح .. ! فهتلر هو هتلر وقد بذّ في ذلك موسوليني، وقال انّ حرب 1914 هي التي افضت الى خلق الشيوعية، التي قال انها من اكبر التجارب المثيرة التي عرفها العالم، ولكن حتى لا يفهم انّه في خدمة الرّوس اضاف قائلا: الا انّ نقودي هي نقودي ولن افرّط فيها ابدا .. !
وعندما سئل شو عن الملك الانجليزي الشاب ادوارد الثامن قال: لا يهمّني الملك ادوارد الثامن فهو الذي ينبغي ان يهتمّ بي لانني مجد من امجاد مملكته. ممّا حدا ببعض الصّحافيين المكسيكيّين الى القول بانّ برنارد شو كان يعاني من مرض جنون العظمة.
وفي مدينة ‘بويبلا’ المكسيكية قدّم له اكل ردئ في احد الفنادق فقال لصاحبه ساخرا: اهنئك على هذه الاكلة الخارقة للعادة، سوف اعمل على التعريف بها ونشرها في كل مكان. وغادر شو المكسيك دون ان يودّع احدا على الرغم من انّ لجنة خاصة من المثقفين كانت قد الفت بمناسبة هذه الزيارة لاقامة تكريم خاص له. وعندما طال انتظار هذه اللجنة لبرنارد شو علم اعضاؤها فيما بعد انه يوجد خارج المكسيك، وقبيل مغادرته البلاد الازتيكة ساله احد الصحافيين عن انطباعه من زيارته للمكسيك، فقال شو: انه رجل عجوز وليس في مقدوره ان يعبّر عن ايّ انطباعات نحو ايّ شئ ،الا انه مع ذلك انتقد العدد الهائل والكثير من الكنائس الموجودة بالمكسيك، وقال ان اشكال نواقيسها تشجّع على الالحاد اكثر ممّا تشجّع على الايمان.!
ولد برنارد شو في دبلن 1856 وتوفي في انجلترا عام 1950 لم يكن مسرحيّا عظيما وحسب، بل كان كاتبا لامعا، وساخرا وناقدا كبيرا كذلك، عندما وصل الى لندن عام 1876تحوّل الى مناصر ومدافع نشيط للاشتراكية، كما اصبح خطيبا مصقعا، فبالاضافة الى ابداعاته المسرحية خلف لنا كذلك كتبا عديدة في مختلف مناحي الحياة بشكل عام، وكان ناقدا مسرحيا وموسيقيا لامعا، وفي عام 1925 حصل على نوبل في الاداب، وقيل انه رفض هذه الجائزة وقال كلمته الشهيرة في هذا القبيل: ‘هذا طوق نجاة يلقى به الى رجل وصل فعلا الى برّ الامان، ولم يعد عليه من خطر،
فانا لست في حاجة اليه’!.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو