الخميس 2024-12-12 06:46 م
 

مبادرة مرسي المتأخرة

01:22 م

لم تحظ مبادرة الرئيس محمد مرسي بتشكيل “مجموعة اتصال” من مصر وتركيا وايران والسعودية تعمل لاجتراح حلول سياسية للأزمة السورية بالاهتمام الذي تستحق، ربما لأن فريقين من الأفرقاء الأربعة الذين خاطبتهم المبادرة ، ليسا مهتمين بالبحث عن حلول سياسية للأزمة السورية...وحدها ايران (وتلكم المفارقة)، أبدت الاستعداد التام للتعامل مع عرض الرئيس الاخواني لمصر.اضافة اعلان


حتى الآن. لا نعرف ما اذا كان مرسي ووزير خارجيته متحمسان للمبادرة ويأخذانها على محمل الجد، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون حديثاً مرتجلاً، أو قنبلة دخانية لصرف الأنظار عما يجري في بلاده من أزمات وصراعات ممتدة من القاهرة الى تخوم العريش؟!...لكن مع ذلك، وبصرف النظر عن دوافع مرسي وجدية مبادرته، فانها الوحيدة كما نظن، التي تمتلك (موضوعياً) فرصاً للنجاح وتحظى بأقدامٍ لتسير عليها.

والحقيقة أن مبادرة مرسي تعيدنا الى ما كنا اقترحناه في هذه الزاوية في الأشهر الأولى للأزمة السورية، وعرضناه على بعض أصدقائنا الأتراك في أنقرة: “مجموعة دول جوار سوريا + مصر والسعودية”، بحيث تتولى دول الاقليم البحث عن حلول سياسية للأزمة السورية بعيداً عن “الخارج” وتدخلاته الضارة، مستخدمين في عرض أطروحتنا على المبررات ذاتها التي اعتمدتها أنقرة حين تقدمت بمبادرة مماثلة: “دول جوار العراق” قبل سبع سنوات.

لكن تركيا اليوم، لم تعد تركيا الأمس...هنا اختارت أنقرة أكثر الدول عداءً للنظام السوري لتصطف معها وخلفها، وأشهرت سيف “التدخل الخارجي-الأطلسي” منذ الأشهر الأولى لاندلاع الأزمة...هنا تشعر تركيا أن استحضار مصر وايران سيقلص عائدات تدخلها في الأزمة السورية وهي التي كانت تأمل آن تفضي مبادرة “جوارالعراق” لتوسيع حصتها في العراق على حساب الحصة الايرانية.

ايران رحبت بالمبادرة، وأعربت عن استعدادها للتعاون الكامل مع مصر لانجاح مراميها وهي بهذا الموقف كانت تروم ضرب أكثر من عصفور بحجرٍ واحدٍ...فهي أولاً؛ ستتقرب من مصر “ما بعد مبارك”، وهذا هدف يستحق عناء الدبلوماسية الايرانية وانشغالها...وهي ثانياً؛ تستولد حلاً سياسياً لمأزق حليفها الأهم في سوريا ومأزقها فيها، مُبعدةً عنه وعنها، أخطار التدخل “الأجنبي” الذي ان وقع، فلن يبقي من مصالحها في سوريا ولن يذر.

أما السعودية، فقد استقبلت بحذر بالغ، مبادرة الرئيس المصري...فهي من جهة لا تحفظ وداً للتيار الاخواني، المصري خصوصاً، وقد عبرت عن ذلك بدعمها لمبارك ونظامه حتى الرمق الأخير، ولقد تكشفت قمة مكة الاسلامية عن حجم الفجوة والجفاء بين القيادة السعودية والقيادة المصرية الجديدة،

دولياً، لم تحظ مبادرة مرسي بالاهتمام والتعليق، عواصم القرار الدولي واصلت نشاطها كالمعتاد، وكأن أحداً في “قاهرة المُعز” لم ينبس ببنت شفة...وأحسب أن الأمر عائد لغياب النشاط والجدية الدبلوماسية المصرية في تسويق المبادرة والترويج لها، دع عنك اختلاف الرؤى والمصالح والمواقف الدولية حيال مجريات الأزمة السورية ومآلاتها....واشنطن ولندن وباريس لديها أجندة سورية تمتد لما بعد الانتخابات الأمريكية وتنتظرها بفارغ الصبر...موسكو المعنية بحل سياسي للأزمة السورية معنية بالقدر ذاته بأن يضمن هذا الحل مصالحها في سوريا والمنطقة، فيما الدول التي يقترحها الرئيس مرسي قد توفر الحل السياسي لكن مصالح موسكو في هذا الحل قد لا تكون مضمونة تماماً، لذا مالت موسكو وتميل للحذر والترقب مع أنها أكثر عاصمة دولية (الى جانب بكين) يمكن أن تكون “متفهمة” لمبادرة مرسي.

مؤسف أن تكون أكثر المبادرات جدية لمعالجة الأزمة السورية قد صدرت متأخرة، بل ومتأخرة جداً، وعن طرف عربي منهك ومثقل بأزماته الداخلية، فيما الأطراف الأكثر “تفرغاً” للتعامل مع هذه الأزمة، متورطة في “لعبة الدم والحسم”، ولم تعد ترى في سوريا غير ساحة للثأر والانتقام وتصفية الحسابات في سوريا ومعها.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة