السبت 27-04-2024
الوكيل الاخباري
 

تحدي البطالة



لا يوجد مجتمع او نخبة صناع قرار في العالم تخشى شيئا كالبطالة. انه السبب الاساس لكثير من التحولات المجتمعية العميقة عبر التاريخ، وهي البوصلة التي توجه عمل الحكومات في مسعاها للاستجابة لتحدي البطالة، وخلق فرص عمل للساعين لذلك.اضافة اعلان


مشكلتنا في الأردن مع البطالة كبيرة ومعقدة، اذ يتمثل اللغز او الاحجية الاردنية في اننا بلد بنسبة بطالة بلغت 25 %، وفي ذات الوقت لدينا ما يزيد على مليون عامل وافد عربي وآسيوي. لدينا ايضا ما يقرب من هذا العدد من الأردنيين الذين يعيشون في الخارج، نصفهم على الاقل يعتبر عمالة وافدة في الدول التي يعيشون بها. قد نكون الدولة الوحيدة في العالم التي تصدر العمالة وتستوردها بنفس الوقت وبهذه النسب، واننا بلد بهذه النسبة الكبيرة من البطالة في حين ان لدينا مئآت الآلاف من العمالة الوافدة.
حلولنا للآن قاصرة لا تستجيب لواقع الميدان، فعندما حاولنا تقنين العمالة الوافدة ووقف استقدامها، ما حدث عمليا ان ذلك لم يؤد لإحلال عمالة أردنية بدلا عنها، بل النتيجة كانت ارتفاع اجور العمالة الوافدة الزراعية وغيرها ما زاد من كلفة الانتاج. اصحاب الاعمال عندما كان يطلب منهم ان يستخدموا العمالة الأردنية بدل الوافدة كانوا يصرخون أين هي تلك العمالة! في اشارة لعزوف الأردنيين عن الاعمال التي يقوم بها الوافدون.

البعض يعتقد ان عزوف العمالة الأردنية سببه ظروف العمل والاجور التي تقبل بها العمالة الوافدة، وهذا غير صحيح او جزئيا صحيح، فالحقيقة ان آلاف الاعمال التي يقوم بها الوافدون مجزية جدا، وافضل من اي وظيفة حكومية قد يسعى لها الساعون. المشكلة هي الرغبة الكبيرة في “الوظائف” والاستقرار المعيشي حتى لو لم يكن مجزيا ماليا. الشغل موجود لمن اراد ان يشتغل، وهو مجز ماليا، والمطلوب تنظيم سوق العمل وادماج القوى العاملة الأردنية المتعطلة فيه.

ما بين الرغبة في الوظيفة وليس العمل، وتراجع الانتاجية للعمالة المحلية، واخفاقنا المعيب في السيطرة على تصاريح العمالة الوافدة التي تضيع مئات الملايين على الخزينة، ما بين كل هذه التعقيدات تتجلى ازمة سوق العمل الأردني والبطالة. لذلك، فالحاجة ماسة لحلول من خارج الصندوق تستجيب لواقع السوق المحلي، واعتقد ان البداية تكون بالسيطرة على قصة تصاريح العمل المنفلتة الآن، وفتح – بدل من تقنين- السوق للعمالة الوافدة لأن ذلك سيخفف كلف الانتاج ويزيد الاعمال، ما من شأنه ان يفتح مزيدا من الفرص امام الأردنيين.

استنفدنا في الأردن دور الدولة الريعية او شبه الريعية، بتنا نخوض مسار التحول الاقتصادي وعنوانه الاعتماد على الذات. هذا ليس شعارا او هدفا متخيلا، بل ضرورة املتها عدم قدرة الدولة على المضي في اداء دور الدولة الريعية. لا بد والحال ذلك من ان يتأقلم ويستجيب سوق العمل الأردني لهذه التحولات، وهذا يتطلب جهدا مركزا ومستداما عابرا للحكومات، يستجيب للواقع بمنأى عن التنظير البعيد عن واقع سوق العمل.