الخميس 25-04-2024
الوكيل الاخباري
 

خطأ الماما التكتيكي



كانت تحس بأنها قصّرت في واجبها الأمومي تجاهي، لأنها نست أن تقوم بتمليح فمي فور مزطتني لهذه الدنيا (الغانية)، حتى يصير لساني عذبا وكلامي لطيفا مهذبا. ربما تكون قد نقعت لساني بالبحر الميت آنذاك، لكنها أنكرت ذلك على نفسها فيما بعد، حيث كبرتُ وترعرعتُ على الكلام غير المباح والتلمظ بالبذاءات – وسيلتي الوحيدة لمواجهة هذا الواقع الأجرب -مع أخلاق «دايت» في مجال الغثبرة ومعط الحكي فقط لا غير.اضافة اعلان

محاولة منها للتكفير عن هذا الخطأ التكتيكي الفادح اهتمت جناب الوالدة في شؤون التمليح الاستراتيجي , وشرعت تنتهز فرصة اندلاع الحروب العربية من أجل تخزين كميات هائلة من الحبوب لإبعاد شبح المجاعة عن العائلة في حال طال أمد الحرب . هذا هو السبب المعلن، أما المسكوت عنه فهو إنها تفعل ذلك انصياعا لإحساسها بالذنب وتسعى للتعويض، عن طريق تمليح الواقع العربي.
رز، برغل، قمح، فريكة، عدس حب، عدس مجروش، عدس مهروس، فاصوليا مزققة، بازيلاء ناشفة، فول، حمص، وربما سكر أيضا. ما أن تشتم الوالدة نذر الحرب من الأناشيد الحماسية حتى كانت تشرع في تجميع علب الحليب والتوفي وأية علب صالحة للاستهلاك البشري وتحشيها بتلك الحبوب بعد أن تخلطها بالملح للحفظ طويل الأجل.
هذا ما فعلته الوالدة الرؤوم في (نكتة حزيران) وفي تشرين1973 وفي بدايات حرب الخليج، لكنها خلفت لنا كميات تجارية من علب النيدو الحبلى بالحبوب المملحة التي لم ننته من ازدرادها حتى ساعة إعداد هذا البيان.
كانت أمي تكتشف بعد انتهاء كل حرب بأن خططها الاستراتيجية أبعد بكثير من قدرة العرب العاربة و»المستغربة» على الصمود ولو لعدة أسابيع على الأكثر، وان معظم حروبنا كانت تنتهي – بانهزامنا طبعا_ وقبل ذوبان حبّة الإسكيمو فوق سطح من الصفيح الساخن.
كانت الوالدة تستهلك أكثر منا جميعا من هذه الحبوب لإحساسها بالمسؤولية التاريخية والمعنوية، لكنها كانت دائما تلجأ إلى استراتيجية التمليح، لعلها تحظى ذات يوم بما يستحق الملح الذي يهدر من أجله. لكنها ماتت .... ماتت بمرض ارتفاع ضغط الدم، طبعا.