الجمعة 19-04-2024
الوكيل الاخباري
 

عودة الحبر والورق



 
لقد عادا؛ يجوبان الشوارع كلّها بلا استثناء. عادا برائحة التحدّي والمقاومة. عادا إلى فنجان القهوة الصباحي؛ إلى المكتب الذي يتمدّدا عليه كعاشقين وكأن سطح أي مكتب سرير مواعدة ولقاء توالد.اضافة اعلان


الصحف الورقية هي سيّدة الصحافة. الحبر هو بهجة الضائعين و الورق هو بوصلتهم. وإنّ ما يعلق بأصابعك من حبر هو ضبط المزاج الذي تلوّث طائعاً بالمستقبل؛  وحين تسمع خشخشة الورق تدرك لحظتها أنّ تستسلم لجنّيّات روحك المتعبة ولا يريحها إلاّ مثل هذه الخشخشة الموسيقى.

حين صدر أمر الدفاع بتوقّف الصحف الورقيّة عن الصدور؛ لم يكن إلاّ أمر هجوم على قلبي وعلى صندوق ذاكرتي؛ وعلى عمارتي الوحيدة في الحياة. فأنا ما زلتُ ذلك الفتى الذي كان يصحو فجراً ويقف على باب مكتبة (أبو الأمل) في مخيّم البقعة وينتظره حتى يفتح..ويأخذ منه نصيبه من (الرأي والدستور وصوت الشعب). ويضع حول خصر الأعداد (مغّيطة) ويجوب شوارع المخيم يبيع الصحف قبل شروق الشمس؛ منادياً بصوته المنبري: جريدة الدستور. جريدة الرأي. جريدة صوت الشعب. ويخرج له الناس من البيبان والشبابيك بوجوه لم يطأها الماء بعد؛ دبق العينين يسيطر على زواياها. يخرجون بلا بريستيج . بشبشب وبيجاما أو فانيلا فيها من الثقوب الدالة على ثقوب القلب. ورغم إنني صرتُ كاتبا يوميا في جريدة الدستور منذ سنوات طويلة إلاّ إنني كلّما رأيتُ شخصا يبيع الجرائد في الشوارع أحسبه أنا فأبتسم لي وأمسك دمعتين عن السقوط.

ها قد عدتُ للشوارع والحارات والبيوت والمكاتب..مع دعاء قلبٍ مكسور بألاّ أختفي ثانيةً مهما كانت الهزيمة ثقيلة..!

ما أجمل الحبرَ الذي يعطيك مفتاح العالم وما أجمل الورق الذي يرسم لك عليه خارطته..!.