الثلاثاء 16-04-2024
الوكيل الاخباري
 

الخيري والتطوعي…مفاهيم ملتبسة



منذ أيام احيا الأردن وعلى طريقته اليوم العالمي للتطوع. بهذه المناسبة ألقى البعض خطابات مطولة وعقد البعض ورشات نقاشية للبحث في التطوع وتاريخه وطبيعته في الأردن واثنى المتحدثون على المتطوعين واستذكروا عشرات الإنجازات التي تركها البعض كمعالم ومرافق تحمل اسماءهم وتذكرنا بأهمية الاسهام في خدمة المجتمع بشتى الطرق والوسائل.

اضافة اعلان


بصورة عامة هناك فرق بين العمل الخيري والعمل التطوعي فالعمل الخيري”charitable” له منطلقات دينية يقوم به الأشخاص من منطلق عقيدتهم لينالوا رضا الرب ويحصلوا على الأجر والمغفرة والكثير من الأعمال الخيرة تقع في صلب العبادة والطاعة في حين ان التطوع” voluntary” يشمل كل عمل يقوم به الفرد دون ان يتوقع أو يتلقى مقابله أجر من أي نوع كما انه ينطلق من احساس الفرد بالمسؤولية تجاه المجتمع الذي يعيش فيه ويهدف الى استثمار وتوظيف ما لدى الأفراد من فائض في المال أو الوقت أو الجهد ووضع الامكانات المتنوعة للأفراد في خدمة مجتمعهم وانفسهم وبيئتهم وتحقيق الخبر والنفع العام.
من المؤسف أن الناس في بلادنا ما زالوا يخلطون بين ما هو خيري يتم بدوافع دينية وعقائدية وبين ما هو تطوعي ينبع من رغبة الأفراد للقيام بعمل ما يحقق النفع دون أن يتلقى من يقوم به أو يتوقع عائدا أو مكافأة. الأصل في الأعمال الخيرية التي تنطلق من ايمان وعقيدة ان تكون مجردة من المنة أو الاشتراطات أو أي عامل من العوامل التي قد تحد وتنتقص من قيمتها وآثارها. كما يتوقع من التطوع أن يقوم على فائض ما لدى الأفراد من وقت أو مهارات وجهد أو مال فالأفراد يتطوعون بما يملكون لا ما يملكه غيرهم.


التشوه الذي لحق بالعمل الخيري والتطوعي معا ان البعض أصبح يعمل على طريقة الجباة فيؤسس جمعية وظيفتها التسول باسم المحتاجين أو الضغط على الآخرين للتبرع والدعم ليجمعوا أموالا واشياء عينية ويتصرفوا بها كيفما يحلو لهم وفي بعض الحالات يسيئون استخدام هذه الأموال أو يوظفونها لغايات سياسية ومنافع شخصية.


من وقت لاخر يتصل بي بعض الأشخاص يطلبون التبرع لجمعيات أو مؤسسات أو فئات يحددونها ويمطرونني بالآيات والأحاديث والادعية في حصار عاطفي لا يترك لك فسحة صغيرة للرد. من الصعب أن أشكك بنوايا هؤلاء الأشخاص ولا بوجود الرغبة والاستعداد لدى البعض منهم للخدمة والمساعدة. المشكلة ان هذا القطاع أخذ ينمو بشكل كبير ويضم في صفوفه العديد من الأشخاص ممن لا علاقة لهم بعمل الخير أو المساعدة وللدرجة التي أصبح فيها جمع المال والتبرعات مهنة من لا مهنة له أو الراغب والطامع في التستر تحت عباءة هذا النوع من العمل للقيام بانشطة متنوعة يتداخل فيها الخاص مع العام والخيري مع اللاخيري.


في كثير من الاحيان اعتذر للمتصلين وأحاول أن أردهم بطرق لا تؤذي مشاعرهم وفي مرات أخرى استمع إلى عشرات القصص التي يروونها عن المحسنين الكبار الذين اغرقوهم بالعطايا والمنح وخصصوا أموالا كبيرة لدعم الفقراء والمحتاجين والوكلاء الذين نصبوا انفسهم للتوسط من أجلهم والمطالبة بالدعم والزكاة وأي تبرع يجود به الأفراد نيابة عنهم.


قبل أعوام شارك عدد من الإعلاميين والمبادرين والسياسيين في الترويج لشخصيات وتقديمها على انها منشغلة بالهم العام ومساعدة المجتمعات الفقيرة دون الالتفات إلى أن ما يقوم به هؤلاء لا يعدو محاولة تغطية وتمويه لطبيعة النشاطات والأعمال التي قاموا ويقومون بها.


من المهم تنمية وتشجيع العمل التطوعي والخيري في بلادنا وقد لا يتم ذلك الا بتقليص أعداد الوسطاء والمتربحين والتركيز على تنقية البيئة من عشرات آلاف الأشخاص الذين يجوبون هذا الحقل ويسيئون لهذا العمل النبيل ويفقدونه خواصه ووظائفه وادواره.