الجمعة 19-04-2024
الوكيل الاخباري
 

هل تعلن إسرائيل “الحرب”؟



بالتأكيد، يحمل عنوان المقال مبالغة في التوصيف والتوقع إذا ما نظرنا إلى تعريف الحرب على أنها صراع عسكري بين طرفين أو أكثر، تستخدم فيها كل صنوف الأسلحة وتخلف قتلى ودمارا. لكن العنوان يتصف أيضا بالواقعية إذا ما نظرنا إليه من زاوية نهاية السلام الذي ولد ميتا منذ عقود مضت، ولم يكن مقنعا لقادة أو للرأي العام. فأي سلام هذا الذي لا يحقق الأمن والأمان والمصالح المشتركة لجميع الأطراف!اضافة اعلان


مجلة “دير شبيغل” الألمانية، حملت في طياتها أفضل شرح للحالة التي تمر بها العلاقة بين الأردن ودولة الاحتلال، إثر نشرها تصريحات لجلالة الملك لا تحتاج إلى تفسير أو تحليل أو استقراء للمستقبل؛ حيث أوضح جلالته أنه “إذا ضمّت إسرائيل بالفعل أجزاء من الضفة الغربية في تموز، فإن ذلك سيؤدي إلى صِدام كبير مع المملكة الأردنية الهاشمية”.

الملك الذي يتمتع بمصداقية مطلقة في المجتمع الدولي يدرك تماما أبعاد ما قاله؛ حيث لم يكن حديث جلالته شعبويا، فالقادة عندما يتحدثون عن شيء فإنهم يعنونه قولا وفعلا، ويدركون أبعاده وتبعاته من جميع النواحي، وإن كانوا دبلوماسيين في طرحهم في بعض الأحيان، لذلك على دولة الاحتلال أن تتوقف مليا عند هذا الطرح قبل أن تجرؤ على اتخاذ قرار ضم أجزاء من الضفة الغربية.

جلالته، بحسب تأكيده، لم يكن يرغب في إطلاق تهديدات، أو أن يخلق جوا من المشاحنات، لكنه في الوقت ذاته وضع المجتمع الدولي، بما فيه إسرائيل ومعها أميركا ترامب، في صورة أن الأردن يمتلك خيارات مفتوحة وجميعها قيد الدراسة. دولة الاحتلال تعلم جيدا هذه الخيارات وتبعاتها من جميع النواحي.

الملك، وهو الشخص الذي طالما عكست خطاباته في جميع المحافل الدولية ومنذ أكثر من عشرين عاما حبا للسلام، واستقصاء للاستقرار في المنطقة، ويقاتل من أجله لضمان أن يعيش شعوب المنطقة بالأمن والاستقرار، ولطالما حذر من السياسات والإجراءات الرعناء التي من الممكن أن تقود المنطقة إلى مزيد من العنف والفوضى والتطرف، هو ذاته الشخص الذي يتحدث اليوم عن صدام كبير مع إسرائيل نتيجة هوج قادتها وتصرفاتهم الخرقاء، وفي ذلك مدعاة لدولة الاحتلال ومن يقف من خلفها في البيت الأبيض لأن يعيدوا حساباتهم تجاه القضية الفلسطينية والمصالح الأردنية المتعلقة بها.
الأمر الآن مرتبط بتحركات إسرائيل؛ إما أن تواصل جنونها وهوسها باتخاذ قرارات أحادية الجانب، وفرض الأمر بالقوة، أو أن تعود إلى طريق الصواب بالحفاظ على ما تبقى من فرص سلام قائم على حل الدولتين. الرسالة وصلت رئيس الوزراء المتطرف بنيامين نتنياهو، وهو الوحيد المعني بتحديد آلية الرد عليها والتعامل معها.

نتنياهو يدرك جيدا أن المسألة ليست مرتبطة فقط بالأردن ومستقبل علاقته بها، وإنما بدول أوروبية أيضا تتجه لفرض عقوبات على إسرائيل، وهي فرنسا وإسبانيا وإيرلندا والسويد وبلجيكا ولوكسمبورج، ولا شك أن الدائرة ستتسع.

رد الفعل الأميركي على حديث الملك كان سريعا، فهم يعلمون جيدا أن هذه الكلمات التي أطلقها جلالته لم تكن عادية؛ حيث حملت مفردات قوية وحاسمة، وقد وصفها أحد المواقع الأميركية بأنها “الأقسى تجاه إسرائيل”.

الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية مورغان اورتاغوس، علقت على تصريحات جلالته بتأكيدها عمق العلاقات بين بلادها والأردن، مبررة أن زيارة وزير الخارجية بومبيو إلى إسرائيل لم تكن لبحث مسألة الضم، وأن هذا القرار يعود لإسرائيل.

ورغم حديث اورتاغوس الدبلوماسي، إلا أن ذلك لا يعفي واشنطن من مسؤولياتها الأخلاقية والتاريخية والقانونية تجاه القضية الفلسطينية وانحيازها الواضح للغطرسة الصهيونية، لذلك عليها أن تذهب إلى أبعد من التأكيد على عمق علاقة بلادها مع المملكة، إلى إعادة التموضع من جديد والكشف عن الوجه المطلوب والمرغوب به لراعي السلام في المنطقة.