الأربعاء 24-04-2024
الوكيل الاخباري
 

الغضب ليس حلا



 
على متن الطائرة، وعبر رحلات كثيرة، تتعرف إلى شباب أردنيين، يصنعون مستقبلهم في دول العالم، بعد أن تخلوا عن محددات معروفة، وقرروا صناعة مستقبلهم بطريقة مختلفة تماما.اضافة اعلان


القصة لم تعد لديهم قصة جلد وطنهم، أو لعن بلادهم، فهذا السلوك غير سوي أساسا، وغير منتج، ولا يحل المشكلة من أصلها، هذا فوق أن النظرة إلى فكرة تجريب مدار جديد، اختلفت تماما، وقد بتنا أمام أجيال مستعدة للمغامرة، بعد أن تخلت عن القلق الموروث من الأهالي.

تحت وطأة الظرف الاقتصادي في الأردن، الكل ينتظر فرجاً وهذا انتظار يقوم على التوهم، لأن لا شيء سيحدث فجأة، ما لم يحاول الإنسان تغيير مداره بنفسه، نحو تجربة جديدة.

تعرفت إلى أردنيين خرجوا للعمل بخبرتهم وشهادات جامعاتهم برواتب قليلة جدا، ربما لا تكفي إيجار الفرد ولا رغيف خبزه، لكن هؤلاء راهنوا على الوقت، أي أن هذه مقدمة، ستقود إلى موقع آخر، وهذا ما حدث مع كثيرين فعليا، في مهن وتخصصات مختلفة، بعد أن تخلى هؤلاء مضطرين في البدايات عن ثقافة الغضب والحرد، وانتظار حل سحري يأتي من مكان غامض.

أنا أحد الذين كانوا ينتقدون دوما، فكرة التفريط بالموارد البشرية، لأن عائلات هؤلاء والدولة استثمرت فيهم، والتفاخر بهجرتهم، دليل على ضيق الحال محلياً، لكن هذا النقد لم يصمد أمام الواقع، وهو واقع لا يمكن تغييره فقط بندب الحظ، والتفرج، وانتظار حل يأتي بشكل ما.

تعجبك جدا نظرة التحدي في هؤلاء، أحد هؤلاء الشباب يعمل في مقهى معروف في عاصمة عربية، وإذ أعرفه من لهجته العجلونية يقول لي إنه واثنين من إخوانه خرجوا للعمل، برواتب غير مرتفعة أبدا، ويسكنون معا في غرفة واحدة في مهجرهم، وينفقون على والدهم ووالدتهم، في الأردن، وإن كل واحد فيهم لو وفر مائتي دينار شهريا فقط، فهو سيكون في وضع أفضل بكثير من البقاء في الأردن منتظرا وظيفة حكومية هنا أو هناك، وأفضل من الشعور بالغضب غير المجدي.

لكن الدعوة هنا ليست إلى الهجرة، بل إلى تغيير وسائل تعاملنا مع هذا الظرف، لأن الظرف الاقتصادي لن يتغير، إذ هل يعقل أن يبقى كل شاب بلا عمل، لسنوات طويلة دون أن يجد حلا لا داخل الأردن، ولا خارجه، وأن يسطو على وجدانه العتب والشعور بعدم العدالة فقط.

ربما نحن بحاجة إلى مبادرة كبرى، تعيد إحياء فكرة المشاريع الصغيرة والمتوسطة داخل الأردن، بشكل مدروس ودقيق، بعيدا عن التنفيعات والسلق، وأن نعمل على تحويل أعضاء الطبقة الساخطة إلى طبقة لدى كل واحد فيها مشروعه الصغير أو المتوسط، مع إدراكي هنا بصعوبة النجاح في هكذا مشاريع، لكن النجاح غير مستحيل، وهكذا مبادرة قادرة على فتح آفاق لأعداد كبيرة جدا من الشباب الأردنيين، في عمان والمحافظات إذا وجدت تمويلا مستداما وإدارة واعية.

ما يقال هنا بصراحة أن أبناء الأردن، لا يستسلمون ببساطة، ما بين من يسافر إلى دول مختلفة بحثا عن حياة جديدة، أيا كانت ظروفها، باعتبارها محطة نحو موقع مختلف، وما بين من ينتظر فرصة هنا، فيما من يتوسطون بين هذه الأعداد يمثلون وضعاً حرجاً بحاجة إلى حل، خصوصا، إذا كانت تخصصاتهم الجامعية غير مطلوبة، أو لم تكن هناك أي مهن لديهم، وهذا أمر ممكن معالجته لو أدير ملف العمالة العربية والأجنبية بشكل جيد، بما يؤدي إلى إحلال الأردنيين.

قد يرى البعض هذا الكلام تبسيطا لأزمتنا، خصوصا، مع نسب الفقر والبطالة، ومشاعر الناس السلبية وقناعاتهم بشأن غياب العدالة وتفشي الفساد، لكن ما يقال هنا، إن ثقافة الغضب مشروعة كانت أو غير مشروعة، لن تغير من حياة الأفراد، والتغيير بيد كل فرد، من سلوك مدار جديد، مرورا بتغيير العادات الاستهلاكية، والتورط في قضايا مختلفة، وصولا إلى إدراك الحقيقة التي تقول إن التغيير يصنعه الفرد، وأن لا أحد سيوقظ الشاب من فراشه ليقدم له وظيفة.