السبت 20-04-2024
الوكيل الاخباري
 

في أي قبضة محبس العراق



لا تلوح في الأفق العراقي أية بارقة أمل بانفراجة سياسية قريبة، حتى بعد أن تنقضي فترة الاعتكاف التي دخلها منذ أيام زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.

اضافة اعلان

فليست وحدها خلافات الفرقاء اللاعبين فوق الصينية العراقية هي ما يقيم جدارا يسد الآفاق. بل إن الخلافات الظاهرة، وتلك التي تحت الطاولة في تحالف الصدر المسمّى «إنقاذ وطن» تفاقم إرباكات المشهد وتعقده. فحتى وإن كان التيار الصدري متماسكاً، إلا أن حليفيه «السيادة السني» و»الحزب الديمقراطي الكردي» لا بدَّ ويسعيان إلى مصالحهما، كون التحالفات في العراق تركض في بحر رمال متحركة تجعل من الممكن تغير الخريطة بين ليلة وضحاها، ولأي سبب كان.
ليست بالطبع هذه هي المرة الأولى - ولن تكون الأخيرة- التي يدخل فيها الصدر اعتكافا يؤجج المشهد، بل سبق وأن أعلان غير مرة عن اعتكافه وحتى عن اعتزاله السياسي، مما يجعل الرخواة أصلبَّ ما في المشهد العراقي الصاخب، سيما بعد أن فشل برلمانه المنتخب منذ أشهر في اختار رئيس للدولة لثلاث مرات متتالية نجم عن هذا الفشل تأخير في تشكيل حكومة جديدة، مما يجعلنا نسأل بحرقة عن تلك القبضة، أو القبضات، التي تستحكم على محيبيس العراق، أو محيبيساته.
في عموم مدن وقرى العراق تشتعل في ليالي رمضان المبارك جولات شائقة من لعبة شعبية لها حضور بهيج يحبها العراقيون كثيراً. هي لعبة «المحيبيس»، والذي هو محبس، أي خاتم بلا فصٍّ، ويسمى أحيانا فتخة. هذه اللعبة ترفع منسوب المنافسة المحمومة في الفريقين والجماهير الغفيره، إذ يخفي الفريق الأول محيبيسا في واحدة من قبضات أعضائه، ليأتي دور رجل من الفريق الخصم لإخراجه من مخبئه.
رأس مال هذه اللعبة الفراسة والذكاء والقدرة على تصفّح الوجوه وقراءتها بشكل دقيق سابر، وكذلك على استقراء الهيئة والملامح ولغة الجسد والانفعالات الجياشة في العيون، وعلى ملاحظة أدنى التغيرات الطفيفة التي تطرأ على من قد يخفي المحيبيس في قبضته. وكم تكون الدهشة عارمة عندما يستطيع اللاعب أن يخرجه من بين أكثر من مائة رجل يمدون قبضاتهم المشدودة أمامه.
تذكرت المحيبيس العراقي ومسراته وصخبه، على وقع تلك الاخفاقات السياسية التي ما زال يعيشها العراق، رغم مرور أقل بقليل من عقدين على الاحتلال الأمريكي، حتى غدا محبس العراق حبيسا في قبضات لا حيّ إلا الله يعلم عددها ومدى قوتها.
فلا الفراسة ولا حتى الذكاء الاصطناعي كفيلان بإخراج هذا المحيبيس من محبسه الأليم، ذلك أن الأيادي التي يحتمل أن يكون حبيسا بها لا تزداد تشددا يوماً إثر يوم فحسب، بل إنها تتعدد وتتمدد لتشهر في وجه العراقي وهو مغمض العينين مكبل الوجدان. فكيف له أن يتفرس في أي قبضة يكمن أمن بلاده واستقرارها. العراق لا يستحق كل سرابات كل هذا الضياع الذي يبقيه في مهب العثرات.